سورة المائدة - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


الآية الحادية عشرة:
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}.
{فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فيه تخيير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بين الحكم بينهم والإعراض عنهم.
وقد استدل به على أن حكّام المسلمين مخيرون بين الأمرين.
وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم.
واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم: فذهب قوم إلى التخيير، وذهب آخرون إلى الوجوب، وقالوا: إن هذه الآية منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي، وهو الصحيح من قول الشافعي، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء.


الآية الثانية عشرة:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)}
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} لفظ (من) من صيغ العموم، وتفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة، بل لكل من ولي الحكم.
وقيل: إنها مختصة بأهل الكتاب.
وقيل: بالكفار مطلقا، لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة.
وقيل: هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل اللّه وقع استخفافا أو استحلالا أو جحدا. والإشارة بقوله: {فَأُولئِكَ} إلى {مِنْ} والجمع باعتبار معناها، وكذلك ضمير الجماعة في قوله: {هُمُ الْكافِرُونَ (44)}.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله تعالى هذا قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفرا ينقل من الملة بل كفر دون كفر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالى هذا.
وقوله: {هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}، {هُمُ الْفاسِقُونَ (47)}، قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.


الآية الثالثة عشرة:
{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}.
{وَكَتَبْنا}: معناه فرضنا.
{عَلَيْهِمْ فِيها}: أي في التوراة.
{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}: بيّن اللّه سبحانه في هذه الآية فرضه على بني إسرائيل من القصاص، في النفس والعين والأنف والأذن والسن والجروح.
وقد استدلّ أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه الآية فقالوا: إن المسلم يقتل بالذمي لأنه نفس، وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم: إن هذه الآية خبر عن شرع من قبلنا وليس بشرع لنا.
وقد قدمنا في البقرة في شرح قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} [البقرة: 178] ما فيه كفاية.
وقد اختلف أهل العلم في شرع من قبلنا: هل يلزمنا أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ينسخ وهو الحق.
وقد ذكر ابن الصباغ في الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلّت عليه.
قال ابن كثير في تفسيره: وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية الكريمة. انتهى.
وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في شرحه على المنتقى وغيره في غيره.
وفي هذه الآية توبيخ لليهود، وتقريع لكونهم يخالفون ما كتبه اللّه عليهم في التوراة- كما حكاه هنا- ويفاضلون بين الأنفس، كما سبق بيانه، وقد كانوا يقيدون بني النضير من بني قريظة، ولا يقيدون بني قريظة من بني النضير.
{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} الظاهر من النظم القرآني، أن العين إذا فقئت، حتى لم يبق فيها مجال للإدراك، أنها تفقأ عين الجاني بها.
{وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ}: أي إذا جدعت جميعها فإنها يجدع أنف الجاني بها.
{وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ}: إذا قطعت جميعها فإنها تقطع أذن الجاني بها. وكذلك {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}.
فأما لو كانت الجناية ذهبت ببعض إدراك العين، أو ببعض الأنف، أو ببعض الأذن، أو ببعض السن، فليس في هذه الآية ما يدل على ثبوت القصاص.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك إذا كان معلوم القدر يمكن الوقوف على حقيقته وكلامهم مدون في كتب الفروع. والظاهر من قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} أنه لا فرق بين الثنايا والأنياب والأضراس والرباعيات، وأنه يؤخذ بعضها ببعض، ولا فضل لبعضها على بعض، وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر.
وخالف في ذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ومن تبعه. وكلامهم مدون في مواطنه ولكنه ينبغي أن يكون المأخوذ في القصاص من الجاني هو المماثل للسن المأخوذة من المجني عليه، فإن كانت ذاهبة فما يليها.
{وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ} أي ذوات قصاص.
وقد ذكر أهل العلم، أنه لا قصاص في الجروح التي يخاف منها التلف، ولا فيما كان لا يعرف مقداره عمقا أو طولا أو عرضا.
وقد قدّر أئمة الفقه أرش كل جراحة بمقادير معلومة، وليس هذا موضع بيان كلامهم، ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر.
{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}: أي من تصدق من المستحقين للقصاص بالقصاص، بأن عفا عن الجاني، فهو كفارة للمتصدق، يكفر اللّه عنه به ذنوبه.
وقيل: إن المعنى هو كفارة للجارح، فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه، والأول أرجح لأن الضمير يعود- على هذا التفسير الآخر- إلى غير مذكور.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7